الدورة الثانية عشرة للجوائز
تغيير الدورة:
الدورة الثانية عشرة للجوائز

مواضيع الدورة

الأمراض المعدية

عرف القرن التاسع عشربانه زمن الوفيات الناتجة عن الأمراض المعدية بامتياز، حيث تسببت الأمراض المعدية في ما يقرب من نصف الوفيات . وفي خلال الفترة ما بين عامي 1848 و 1872، كان السل هو السبب الرئيسي للوفاة في بريطانيا إذ تسبب في 15 % من مجموع الوفيات، كما كان التهاب الشعب الهوائية مسؤولاً عن 6.7 % من جميع الوفيات، تليها الحمى القرمزية والدفتيريا بنسبة 5.7 % . أما الإسهال والتهاب الأمعاء فقد تسبب في 4.4 % من الوفيات. وفي المقابل، شكلت أمراض القلب والسكتات الدماغية والسرطان نسبة 5.8 %  و 1.7 %  من أسباب الوفيات المسجلة على التوالي.

 

استطاعت البشرية أن تسيطر على أول مسببات الأمراض في أوروبا ، وهو مرض الطاعون المتسبب عن عدوى بكتيرية والذي أصبح بالإمكان علاجه حالياً بالمضادات الحيوية. تاريخياً، عانت أوروبا من طاعون جستنيان في 541-542 بعد الميلاد وتكررت موجات الطاعون لمرات عدة حتى منتصف القرن الثامن. ويُعتقد الآن أنه قد تسبب في وفاة  ما بين ثلث وثلثي سكان أوروبا بين عامي 1347 -  1352 . خلال عصر النهضة في أوروبا، تمت السيطرة عليه مع انه يعتبر اكثر إمراضاً من جائحة كوفيد-19 ومع معدلات إماتة تراوحت بين 60-90 %  وذلك من خلال تطوير إجراءات مراقبة وحجر صحية بسيطة نسبيًا ولكنها صارمة. فلأول مرة تم تطويرآليات الحجر الصحي الممنهج ، وتدابير الصحة العامة بما في ذلك تتبع المخالطين.

 

لقد لعب العديد من العلماء دورًا كبيرًا في إدراكنا لماهية الأمراض. فمثلاً قام جيرولامو فراكاستورو (1476-1553) وهوطبيب وشاعر وفيلسوف إيطالي بإطلاق اسم "الزهري" على المرض الجديد في ذلك الوقت وذلك في قصيدة عام 1530. وقد كان عمله عن العدوى (1546) مصاحباً لمفهومه عن "بذور المرض" ، بمثابة رؤية رائد ة لنظرية وجود الجراثيم. كما كان لدراسات لويس باستور (1822-1895) عن الخميرة والبكتيريا والفيروسات تأثير كبير على الطب وصناعة النبيذ وسلامة الحليب ("البسترة"). لقد كانت هذه الأفكار أول  رؤية شاملة لنظرية الجرثومة المسببة  للمرض. كما استوحى جوزيف ليستر (1827-1912) من أبحاث باستير استخدام ضمادات حمض الكربوليك لتطهير الجروح الجراحية (1867)، كما أجرى أيضًا بحوثًا عن البكتيريا ، مما ساعد على تطوير نظام للجراحة "المعقمة". كذلك  أوضح روبرت كوخ (1843-1910) دورة حياة الجمرة الخبيثة. وقد قادته أبجاثه إلى مركز بحثي في برلين حيث اكتشف الجراثيم المسببة لمرض السل والكوليرا وبهذا الجهد حصل على جائزة نوبل للطب عام 1905.

 

كما ساعدت الدراسات التي أجراها عالم النبات وعالم الأحياء الدقيقة الهولندي  مارتينوس بيرينك (1851-1931) حول فيروس تبرقش التبغ  في تسعينيات القرن التاسع عشر على فهم أفضل لطبيعة الفيروسات وعلاقتها بخلايا الكائن الحي التي تغزوها. اما بول إيرليش (1854-1915) الذي كان لأبحاثه أثراً بالغاً على تطورالفحص المجهري وصبغ الأنسجة وعلوم الأجنة والمناعة وكذلك العلاج الكيميائي فقد كانت نظريته عن الطبيعة الكيميائية للمستضدات والأجسام المضادة ، مع "آلية القفل والمفتاح"  هي المدخل لفهم العدوى. وقد تمكن عالم الفيروسات الأمريكي ألبرت سابين (1906-1993) من تطوير لقاح لشلل الأطفال استخدم فيه سلالة مخففة من الفيروس، يمكن إعطاؤه عن طريق الفم، وهو الذي أصبح منذ ستينيات القرن العشرين اللقاح المفضل في الحملة العالمية ضد المرض. ولابد من الإشارة إلى فوز عالمة الفيروسات الفرنسية فرانسواز باري سينوسي (مواليد 1947) بجائزة نوبل في الطب لعام 2008 عن عملها في الفيروسات الراجعة ، والتي يعد فيروس نقص المناعة البشرية أهمها.  تتميز الفيروسات القهقرية باستخدام الحمض النووي الريبوزي الخاص بها في الخلية المضيفة لصنع الحمض النووي على عكس النمط المعتاد من حيث استخدام الحمض النووي كقالب لصنع الحمض النووي الريبوزيي.

 

تحذر منظمة الصحة العالمية حالياً من سرعة انتشارالأمراض المعدية أكبر من أي وقت مضى. كان للعديد من الأمراض المعدية وهى التي يمكن الوقاية منها باستخدام اللقاحات مثل مرض المكورات السحائية والحمى الصفراء والكوليرا آثاراً مدمرة في المناطق ذات البنية التحتية والموارد الصحية المحدودة والتي يصعب فيها الكشف والاستجابة في الوقت المناسب. ويبدو ان قدرة العلماء على كشف مسببات جديدة للأمراض قد أصبحت تتم بمعدلات أعلى من أي وقت مضى في التاريخ. فعلى سبيل المثال ، أشارت منظمة الصحة العالمية  إلى قدرتها في السنوات القليلة الماضية على الكشف عن حدوث أكثر من 1000 وباء للأمراض المعدية مثل أنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وشلل الأطفال والكوليرا كنتيجة لطبيعة الانتشارالسريعة وغير المتوقعة لبعض مسببات الأمراض. مما سيؤدي إلى عواقب عالمية وخيمة مثل الجوائح .

 

وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير في البحوث والتعامل المحكم مع الأمراض خلال القرن العشرين وكذلك النجاح في مكافحة العديد من الأمراض المعدية  باستخدام اللقاحات ومضادات الفيروسات والفطريات والمضادات الحيوية ، فإن السيطرة على هذه الأمراض والقضاء عليها لا تزال تواجه صعوبات كبيرة. كان سببها عودة بعض أنواع العدوى للظهورمن بعد السيطرة عليها سابقاً، وكذلك المقاومة المتزايدة للأدوية المضادة للعدوى، وظهور بعض السلالات الممرضة الجديدة مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بالإضافة إلى تأثير الإنسان وتفاعله مع البيئة مثل ارتفاع معدل السفر الدولي . وقد أدى كل ذلك إلى ارتفاع مخاطر الأوبئة مثل الجائحة الحالية كوفيد -19 والناجمة عن الفيروس التاجي الجديد.

الوقاية

وضع النبي محمد صلى الله عليه وسلم عدد من القواعد الصحية لطهارة البدن ، والتي وصفها  بأنها نصف الإيمان، حيث قال "الطهارة نصف الإيمان ، والحمد الله يملأ الميزان "(صحيح مسلم). وبالمثل ، يقول القرآن: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (القرآن 2: 222). وينطوى هذا النقاء على جانب روحي ، كما يشمل أيضًا الطهارة البدنية. علم النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه أن البركة تحل بغسل اليدين قبل الأكل، حيث قال: بركة الطعام بغسل اليد قبل الأكل وبعده. كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بتغطية وجوههم عند العطس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت أن في أرض وباء فلا تدخلها ؛ وإذا زار (الطاعون) أرضاً وأنت فيها ، فلا تخرج منها" (صحيح البخاري). في الواقع ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع في الأساس الاستراتيجيات التي تطبقها مؤسسات الصحة العامة في العصر الحديث.

 

احتوى التاريخ الإسلامي على العديد من الأمثلة على الاهتمام بالصحة العامة. حيث تم بناء المستشفيات لمنع انتشار الأمراض. فعلى سبيل المثال، بنى الخليفة الأموي الوليد أول مستشفى في دمشق في العام 706 م ، كما أصدر أمرًا بعزل المصابين بالجذام عن المرضى الآخرين في المستشفى، وقد استمرت هذه الممارسة لأكثر من ألف عام. وخلال العصور الوسطى ، طور العديد من العلماء المسلمين من هذه الفكرة، ففي خلال القرن العاشر والحادي عشر، وصف كتاب "القانون في الطب" لابن سينا طبيعة انتقال الأمراض مثل السل وقدم حينها الحجر الصحي كوسيلة لمنع انتقاله. في حين أشار ابن الخطيب خلال القرن الرابع عشر إلى الموت الأسود الذي عصف بأوروبا في ذلك الوقت في كتابه عن الطاعون. وفي بداية القرن الثالث عشر ، قام الطبيب المسلم العربي علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي المصري المعروف بابن النفيس ،  بقضاء النصف الأول من حياته في دمشق حيث درس الطب. ثم استقر في القاهرة  ، وعمل في أكبر مستشفياتها ، البيمارستان الناصري. ومن  أكثر أعماله تأثيرًا في مجال الطب هواكتشاف الدورة الدموية الرئوية. كما يُنسب إليه العمل المبكر في أمراض القلب. ومع ذلك ، امتدت اهتماماته إلى ما وراء الطب وشملت علم الأوبئة والتغذية والدين الإسلامي والفلسفة كما يتضح من 24 كتابًا على الأقل من تأليفه.

 

وتعد الوقاية من العدوى ومكافحتها  أمرًا ضروريًا لنجاح قطاع الرعاية الصحية ، حيث أن النظام المعيب لكشف العدوى والسيطرة عليها مبكراً يجعل من المستحيل تحقيق رعاية صحية عالية الجودة أوالمحافظة على سلامة المرضى. تعد العدوى الناشئة عن مرافق الرعاية الصحية مشكلة عالمية لا نهاية لها  حيث تمثل هذه الفئة من العدوى  رابع أكبر سبب للوفاة في الولايات المتحدة ،و يصاب حوالي مليونا مريض بالعدوى خلال تواجدهم في  مؤسسات الرعاية الصحية كل عام.  تلعب الخطط الصحية التي تعتمد على العلم القائم على الادلة  العلمية دورًا حاسمًا في السيطرة على العدوى مع إمكانية  تجنبها. وقد أصبح في الإمكان تحقيق ذلك من خلال برامج مراقبة العدوى ووضع وتنفيذ السياسات والإجراءات ، والتثقيف الصحي للجميع. وللعديد من برامج السلامة والبرامج الوقائية أهمية كبرى تستدعي العمل على تطويرها مثل مثل نظافة اليدين ، والوقاية من مسببات الأمراض المنقولة بالدم ، والتهابات الجروح الجراحية ، والمقاومة المتزايدة لمضادات الميكروبات ، والألتزام بالقواعد التنظيمية ، وبرامج التطعيم للعاملين في مجال الرعاية الصحية ، بالإضافة إلى العديد من العناصر الأخرى .

 

لقد أصبح من المهم أن تأخذ البشرية في عين الاعتبار أهمية العلم حين اتخاذ القرارات. وقد يكون التفاعل بين الجامعات والحكومات والشركات والمجتمع المدني أداة فعالة لتقليل آثار التحديات المستقبلية ، مما يضمن إدارة أفضل للمخاطر والتكيف مع التحديات الراهنة.

المناعة

 

يعود مفهوم المناعة ضد الامراض إلى زمن اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. كتب ثيوسيديدس عن أفراد تعافوا من الطاعون الذي كان منتشراً في أثينا في ذلك الوقت. وقد أصبح هؤلاء المصابين الذين تعافوا "محصنين" أو "معفيين". ومع ذلك ، فإن أولى المحاولات المعترف بها للحث عن عمد على تحفيز المناعة ضد مرض معد كانت في القرن العاشر في الصين ، حيث استوطن  الجدري. تضمنت عملية "التجدير" تعريض الأشخاص الأصحاء لبعض مخرجات  الإصابات التي يسببها المرض ، إما عن طريق وضعها تحت الجلد أو بإدخال مسحوق قشور من بثور الجدري في الأنف. كان التجدير معروفًا كذلك في الإمبراطورية العثمانية ، وقد أدخله اليها التجار الشركس حوالي عام 1670. ولكنه لسوء الحظ ، ونظرًا لعدم وجود كيفية موحدة  لأداء العملية ، أدى التجدير أحيانًا إلى الوفاة أو التشوه من الجدري ، وبالتالي الحد من استخدامه.

 

كان متشنيكوف (1886-1887)  أول من أدرك دورعملية البلعمة في تكوين المناعة. ففي  أثناء دراسته  في إيطاليا لأصل أعضاء الجهاز الهضمي في يرقات نجم البحر ، لاحظ قيام بعض الخلايا التي ليس لها وظيفة واضحة خلال الهضم بابتلاع جزيئات الصبغة القرمزية والشظايا التي أدخلها عمداً إلى أجسام اليرقات. ولقد أطلق على هذه الخلايا اسم الخلايا البلعمية (من الكلمات اليونانية التي تعني "تلتهم الخلايا").  ولقد أثبت ميتشنيكوف خلال عمله في المعهد البكتريولوجي في أوديسا ولاحقًا في معهد باستير في باريس ، أن عملية البلعمة هي خط الدفاع الأول ضد العدوى.

 

وفي اطار تقدير الجهود العلمية في مجال المناعة ، مُنحت جائزة نوبل الأولى في الطب إلى فون بيرينغ "لعمله في العلاج بالمصل ، وخاصة تطبيقه ضد الدفتيريا ، والذي من خلاله فتح طريقًا جديدًا في مجال العلوم الطبية. وفي العام 1908، تقاسم ميتشنيكوف وإرليش جائزة نوبل تقديراً لعملهما في مجال المناعة.

 

ومن خلال تبادل الخبرات في ما بين العرض التوضيحي الذي قدمه فون بيرينغ وكيتاساتو للحصول على المناعة ضد الدفتيريا بواسطة "مضاد للسموم" قابل للذوبان في الدم ، تنبأ بول إيرليش بوجود أجسام مناعية (أجسام مضادة) وسلاسل جانبية تنشأ منها(مستقبلات) ولذا افترض أن المستضدات تتفاعل مع المستقبلات التي تحملها الخلايا ، مما يؤدي إلى إفراز المستقبلات الزائدة (الأجسام المضادة). كما اعتقد  أن كريات الدم الحمراء لا تمتلك هذه القدرة ووصف أن هذه الوظيفة المناعية تمثل خاصية متخصصة أو أنها نسيج خاص للدم.

 

استمرالتطوروالمساهمات  العلمية في علم المناعة والتي حصل بموجبها العديد من العلماء على جائزة نوبل. ففي العام 1960 ، حصل ماكفارلين بيرنت إلى جانب بيتر ميداور على جائزة نوبل لاكتشاف التحمل المناعي المكتسب بدلاً من نظرية الانتقاء النسيلي. كما حصل نيلز جيرن في وقت لاحق على جائزة نوبل في عام 1984 عن النظريات المتعلقة بالخصوصية في تطور والتحكم في جهاز المناعة.

 

مما لا شك فيه أنه من المتوقع ان يحدث المزيد من التقدم في فهم بيولوجيا الخلية لجهاز المناعة ، مما يؤدي إلى تطوير لقاحات جديدة. كما سيتم تطوير علاجات جديدة معدلة للمستقبلات بناءً على النظريات  التي تم الحصول عليها من علم المناعة التجريبي. وسوف  يساعدنا تطبيق مشروع الجينوم البشري على المرضى إلى تحديد أهداف جديدة للأدوية ، و تسريع وتيرة اكتشاف الأدوية. كما ستكشف تقنيات المصفوفات الدقيقة للجينات والبروتينات وعلم البروتيوميات عن مكونات جديدة للمناعة من شأنها أن توسع معرفتنا بكيفية عمل الجهاز المناعي.

 

العلاج

شهد أواخر القرن العشرين عودة الأمراض المعدية إلى الظهور كمشكلة صحية في جميع أنحاء العالم.  ويتم التعامل معها في الوقت الحاضر ليس فقط من منطلق  طبي ، ولكن في اطار القضاء على الفقر والأمراض العقلية والإدمان والتمييز.

 

حصلت عملية  التطوير للقاحات والمضادات الحيوية على اهتمام وتقدير كبيرين خلال النصف الأول من القرن العشرين ، مما أدى إلى ظهور مئات الأنواع من المضادات الحيوية وخاصة بعد اكتشاف البنسلين في عام 1928. وأصبح استخدام مضادات الميكروبات كالمضادات الحيوية ومضادات الفيروسات والفطريات والطفيليات الأثر الكبير في السيطرة على العدوى ، مما يسمح لدفاعات الجسم الطبيعية بالقضاء على مسببات الأمراض. بالإضافة إلى علاج الالتهابات المكتسبة سواءً في المجتمع او تلك المكتسبة من المستشفيات ، تستخدم المضادات الحيوية للوقاية  لمنع العدوى في المرضى الذين يعانون من تثبيط المناعة ، ومرضى السرطان الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة ، وكذلك قبل العمليات الجراحية. وقد أدى هذا الاستخدام المرن إلى انخفاض معدل الوفيات المرتبطة بالعدوى في النصف الأول من القرن العشرين، ومع ذلك ، فإن الأدوية المتاحة حالياً ليست بكافية لمكافحة الميكروبات المقاومة للأدوية أو للحماية مما يستجد من جراثيم وميكروبات  والتي لا يتوفر لها علاج فعال.

 

فعلى سبيل المثال ، أدى استمرار مقاومة الميكروبات المعروفة باسم الجراثيم الخارقة للمضادات الحيوية  إلى ظهور تحديات جديدة  وارتفاع معدل الوفيات حيث من المرجح أن تحدث العدوى المكتسبة من المستشفيات بسبب البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وتؤدي إلى وفيات أكبر من العدوى المجتمعية وتسبب عبئًا صحياً واقتصاديًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم . فمثلاً تبين أن ما يقدر بنحو 5-10 ٪ من جميع حالات دخول المستشفيات تصاب بالعدوى سنويًا في الولايات المتحدة وحدها. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الأمراض المعدية قد تصبح غير قابلة للعلاج بسبب المستويات العالية من مقاومة الأدوية. وتعزى الحالة إلى الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها ، وازدياد انتقال البشر في جميع أنحاء العالم ، ووكذلك التطوروالتباين الحادث لمسببات العدوى الموجودة مسبقًا من خلال الطفرات أو نقل الحمض النووي.

 

تحتاج الممارسة الطبية الحديثة إلى مناهج جديدة لعلاج الأمراض المعدية وتحسين فعالية العلاجات ضد الأوبئة الناشئة، وخاصة ان إنتاج الأدوية الجديدة قد اصبح محدوداً بسبب الاهتمام المحدود من شركات الأدوية الكبرى بتتطوير المزيد من المضادات الحيوية لعدم ربحيتها العالية حالياً ، وصعوبة البحث والتطوير من حيث الكلفة والوقت نظرًا لاستمرار عملية المقاومة للمضادات الحيوية بمرور الوقت ، مما يجعلها أقل فعالية في النهاية.

 

ولذا يصبح البحث عن بدائل للمضادات الحيوية أمرًا ضروريًا. يُعرف العلماء تأثير بعض هذه البدائل في المختبر ، ولكن لم يتم استكشاف خصائصها الصيدلانية بجدية ، ومنها استكشاف العلاج بالعاثيات ، الذي تم التعرف عليه في أوائل القرن العشرين ولكن تم اهماله بسبب اكتشاف المضادات الحيوية ، ولم تتم الموافقة عليه بعد. تعرف العاثيات او الفيروسات الحالَة للجراثيم بانها فيروسات تصيب ثم تقتل بكتيريا معينة وليس الخلايا البشرية ويمكن أن تكون خيارًا لعلاج العدوى البكتيرية. كما يقتصراستخدام  المبيدات الجرثومية (البكتريوسينات) على حفظ الطعام على الرغم من أن استخدامها غير المباشر في شكل معززات  حيوية (بروبيوتيك). سمح الفهم الناشئ للتفاعل بين المضيف والجراثيم بتصميم طرق علاج قائمة على جهاز المناعة. من المتوقع أن يلعب العلاج المناعي ، الذي يشمل المناهج المتعلقة بالعوامل الممرضة وغيرها و المصممة لتعزيز مناعة المضيف ، دورًا في العلاجات الحديثة المضادة للعدوى.

 

على عكس الأدوية المضادة للبكتيريا ، والتي قد تضمن توجه فعاليتها ضد مجموعة واسعة من مسببات الأمراض ، تُستخدم الأدوية المضادة للفيروسات لعلاج مجموعة أضيق من الكائنات الحية. إلى جانب ذلك ، يقتصر العلاج المضاد للفيروسات عادةً على المرحلة الفيروسية من العدوى وليس على المرحلة الالتهابية اللاحقة ، حيث يكون العلاج غير فعال. هناك مساران عريضان لتطوير العلاجات الجديدة، إما اعادة استخدام الأدوية المعروفة او استنباط  أدوية جديدة وهو الأمر الذي يظهر نقصاً في الأدوية المضادة للفيروسات والتي يمثل تطويرها تحدياص بالمقارنة  بالأدوية المضادة للبكتيريا لأنهامن الممكن أن تلحق الضرر بالخلايا المضيفة حيث توجد الفيروسات. واليوم ، هناك حاجة إلى أدوية جديدة لمكافحة الأنفلونزا و التهاب الكبد B و C ولموازنة المقاومة النامية للفيروسات والفطريات والطفيليات لمضادات الميكروبات أيضًا. فمثلاً يطور فيروس نقص المناعة البشرية المقاومة بسهولة ، لذلك يأخذ المرضى المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية دائمًا أكثر من نوع واحد من الأدوية المضادة للفيروسات لتقليل تطور المقاومة. فمثلاً تقاوم فطر داء البقع البيضاء، وهي فطريات ممرضة،  جميع الأدوية المضادة للفطريات، كما ان الملاريا تعتبر مثالاً على طفيلي استطاع أن يطور مقاومته للعديد من الأدوية المضادة للطفيليات ، مما حد من جهود الصحة العامة للسيطرة عليها.

 

لقد أصبح للقاحات  دوراً في علاج الأمراض بدلاً من الوقاية منها،حيث يتم استخدام هذه اللقاحات العلاجية في حالات العدوى المزمنة  مثل القوباء المنطقية وتلك الناجمة عن فيروس الورم الحليمي البشري. كما يتم استخدامهم أيضًا في حالات غير معدية ، بما في ذلك اضطرابات المناعة الذاتية والأورام والحساسية وإدمان المخدرات. ومستقبلاً ستظهر إمكانيات واضحة لاستخدام اللقاحات الموجودة وتطوير لقاحات جديدة في الحد من انتشار العدوى وكذلك استخدام المضادات الحيوية ومقاومتها. على سبيل المثال ، إذا تلقى كل طفل في العالم لقاحًا للعدوى بالبكتيرياالمسببة للالتهاب الرئوي والتهاب السحايا والتهابات الأذن الوسطى فإن هذا سيمنع ما يقدر بنحو 11 مليون يوم من استخدام المضادات الحيوية كل عام.

 

لقد أثبت جائحة COVID-19 بوضوح الحاجة إلى مراقبة مسببات الأمراض الناشئة والاستعداد لها ، بدلاً من مجرد الاستجابة لها. كما تحتاج العلاجات واللقاحات الجديدة إلى استراتيجيات لتطويرعقاقير استباقية لتقصير الوقت قبل إتاحة العلاجات.