من وجهة النظر الطبية إذا أخفقت الوقاية من المرض في تحقيق المرجو منها فسينتهي الأمر بالطبيب إلى اختيار الجراحة أو المعالجة الدوائية (الصيدلة التطبيقية). وفيما يخص أمراض الجهاز الهضمي يبدو جليًا أن اختيارات الأطباء تبتعد عن الجراحة.
قرحة الاثني عشر: لقد أصبح علاج القرحة جراحياً عبر قطع العصب المبهم، أو رأب فتحة البواب، أو كلا الأمرين معاً أمرًا من الماضي. وفي واقع الأمر إذا نظرنا إلى محرك البحث "بَبميد" نجد إن آخر النشرات العلمية التي تعتمد هذه الجراحات تعود إلى منتصف السبعينات. ويتزامن تراجع استخدام الجراحة في هذا المجال مع اكتشاف سير جيمس بلاك لمضادات مستقبلات الهيستامين إتش-2 وطرح بارسون لعقار السيميتيدين (تاجميت) في 1974. وفي حين أن تاجميت، وفق ما نعرفه الآن قد لا يكون العقار المثالي، فإنك لا تستطيع أن تقول ذلك للملايين من المرضى الممتنين الذين قد شهدوا الراحة من الألم بفضل ما كان يعد عقاراً رائعاً، وقت طرحه.
وقد كانت الخطوة التالية في العلاج الوقائي واللاتداخلي لقرحات السبيل المعدي المعوي العلوي طرح مثبطات مضخة البروتون في أوائل الثمانينات. وفي حين أن العلاج اليومي بمضادات الإفراز لمستقبلات إتش-2 تسيطر على قرحة الاثني عشر بفاعلية وتقلل على نحو ملحوظ من معدل الانتكاس في غضون سنة بعد العلاج من 75 % إلى 25 %، فإن مثبطات مضخة البروتون تخفض من معدل الانتكاس إلى أقل من 10 %.
هذا ويوجد رابط قوي ومثبت بين قرحة الجهاز المعدي المعوي وعدوى المَلْوِيَّة البَوَّابية (هيليكوباكتر بايلوري). ويشمل العلاج الحديث لهذه الحالة صادات حيوية متعددة. وإضافة إلى ذلك، هناك ترابط إيجابي على المستوى الوبائي بين الإصابة بالملوية وخطر الإصابة بسرطان المعدة. وإضافة إلى الأدلة الوبائية، فقد أظهرت التجارب على الحيوانات أن عدوى الملوية تزيد من مخاطر الإصابة بسرطان المعدة.
مرض الارتداد (الجَزْر) المعدي المريئي: يبدو أن حدوث هذا المرض في تزايد مستمر ولعله الآن الأكثر شيوعاً من بين أمراض الحموضة المَعِدية في الغرب. وقد أحدثت مثبطات مضخة البروتون تغييراً جذريًا في علاج مرض الارتداد المعدي المريئي. كما أنها، بحسب التجارب السريرية, تتفوق على مضادات الإفراز لمستقبلات إتش-2 في إحداث التئام القرحة (في ثمانية أسابيع بنسبة تتراوح بين 80% - 90% مقابل 50% - 60%)، وتخفيف الأعراض، ومنع الانتكاس من خلال العلاج المحافظ، والفعالية العالية بكلفة أقل. إن الدواء النموذجي لهذه الحالة يجب أن يتصف بمزيج من البدء السريع بالفعل المضاد للإفراز (كما لمضادات مستقبلات الإفراز إتش-2) والتأثير القوي (كمثبطات مضخة البروتون). وتتمتع الفئة الجديدة من هذه الأدوية وهي مثبطات مضخة البروتون القابلة للعكس (مثل المركب ب.واي.841) بهذه الخواص.
الأدوية المؤثرة على الحركية المَعِدية: ساهم دواء سيسابرايد على الأرجح في فهمنا لوظائف أعضاء الجهاز المعدي المعوي أكثر من مساهمته في التخفيف من معاناة المرضى، غير أن طرح الجيل الجديد من المواد الناهضة لمستقبلات السيروتونين (رينزابرايد وموزابرايد) يعد وشيكاً للغاية. وإضافة إلى ذلك، فإن الدواء الماكروليدي "اريثروميسين" القديم الجيد يمكن اعتباره أساسًا للفئة الجديدة من الأدوية الناهضة للموتيلين. كما يزيد الاريثروميسين من الانقباض الغاري عبر آليتين: تأثير التقلص العضلي الذي يعمل على مستقبلات موتيلين في العضلات الملساء وتأثير الميقاتية الكولينية، في الجرعات الأقل، الذي تتوسطه مستقبلات موتيلين العصبية.
التهاب القولون التقرحي: يتطلب علاج التهاب القولون التقرحي مراجعة الخيارات الطبية والجراحية بعناية. ويتمثل الإجراء الجراحي الأمثل في استئصال القولون والمستقيم مع لحم الجيبة اللفائفية – الشرج، غير أن العلاج الدوائي هو المفضل حاليًا؛ نظراً لوجود خيارات علاجية جديدة.
ويقي التدخين من ظهور التهاب القولون التقرحي، حيث يعد النيكوتين السبب في هذا الأثر الوقائي. وقد أظهرت التجارب المضبطة مدى فعالية النيكوتين عبر الجلد بالنسبة لالتهاب القولون التقرحي؛ حيث إن التطبيق الموضعي للنيكوتين في القولون يقلل من تراكيز النيكوتين في الدم ومن آثاره الجانبية وبالتالي قد تكون له فائدة سريرية. إذ أنه على الرغم من استخدام جرعة عالية من الكورتيكوستيرويدات عبر الوريد، يبدي 20% إلى 30% من المرضى استجابة ضعيفة ويتطلبون جراحة عاجلة. وقد أثبت استخدام العقارات المثبطة للمناعة (السيكلوسبورين) عبر الوريد أنها فعالة في خفض معدل التدخل الجراحي الفوري في هذه المجموعة من المرضى غير المستجيبين، كما أن استخدامها يبدو آمناً.
مرض كرون: يعد عقار إنفليكسيماب ضدًا خيمريًا وحيد النسيلة يرتبط إلى عامل نخر الورم – ألفا – ويوقف فعله. ويؤدي عامل نخر الورم (ألفا) دوراً مهماً في حدوث كلٍ من مرض كرون والتهاب المفاصل الرثياني. وفي دراسة كبيرة ومزدوجة التعمية وعشوائية تضمنت مرضى يعانون من مرض كرون النشط والمقاوم للعلاج، حقق إنفليكسيماب عبر الوريد، مقارنة بالأدوية الوهمية، استجابة سريرية على نحو كبير بعد أربعة (4) أسابيع من المتابعة. وإضافة إلى ذلك، فقد اقترن تناول عقار الإنفليكسيماب بتحسن سريع في الموجودات التنظيرية والنسيجية عند مرضى يعانون من مرض كرون النشط والمقاوم للعلاج.
إن إمكانية، وإلى حد معين حقيقة، استخدام العلاج غير الجراحي للأمراض الخطيرة التي جرت العادة أن تعالج جراحيًا يعد "موضوعًا ساخنًا" في العلوم الطبية. كما أن نتائج هذا التوجه، إذا تمت الأمور على ما يرام، ستكون بالتأكيد استثنائية وذات فائدة جمة على مستوى الصحة العامة. بحيث يمكن أن يتغير طب القرن الحادي والعشرين لدرجة كبيرة ومذهلة.
كل ما سبق يؤكد على أهمية هذا الموضوع ويجعله اختياراً جيداً لجائزة الشيخ حمدان المرموقة.